فى العشر سنوات السنوات الأخيرة ، زادت شكوى الشارع المصري من ظاهرة التحرش الجنسي ، الأمر الذي كان يعد خروجاً عن الأخلاق المصرية المعروفة بالجدعنة وشهامة ولاد البلد.
ومنذ سنوات وتحديداً عام 2008 قام علماء علم النفس بتحليل ظاهرة التحرش الجنسي في المجتمع المصري ، واكتشفوا أن السبب الأساسي لانتشار هذه الجريمة هي "الإحباط السياسي" الذي كان سبباً في إصابة الجميع بالإحباط واللاقيمة ، وهذا ما يثبت اختفاء التحرش الجنسي نهايئاًَ أيام ثورة 25 يناير المجيد ، رغم الانهيار الأمني الكامل ،وذلك في اللحظة التي شعر فيها المصريين بأن كل شخص أصبح مسموع الصوت ، ووجوده فى الميدان له أهمية ، كما توحد الجميع على هدف محدد ، وتلك اللحظة تلاشت فيها بعض الجرائم وأهمها التحرش الجنسي.
وتؤكد المحامية والناشطة السياسية نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة أن الشكاوي التي يتلقاها المركز أصبحت أقل بكثير من المعتاد حتى فيما يتعلق بقضايا الخطف فكانت معظمها بلاغات وهمية لإثارة الذعر في المجتمع .
عقوبات مشددة
وفي خطوة جديدة انتظرها المجتمع المصري وجمعيات حقوق الإنسان ، تم تغليظ عقوبة التحرش الجنسي بالنساء والأطفال والاغتصاب ، وصنفت جرائم العنف الأسري ضمن جرائم "البلطجة" ، ورفعت العقوبة في مرسوم أصدره المجلس العسكري في بعض تلك الحالات إلى السجن المؤبد والإعدام .
والسؤال هل هذه العقوبات ستكون رادعة لمرتكبي جريمة التحرش الجنسي وستختفي من الشارع المصري؟
تري المحامية نهاد أبو القمصان أن نص المرسوم الجديد جيد جداً ، حيث نص علي رفع العقوبة بشكل كبير لبعض الحالات ، كما تضمن أشياءً أخري ولم يكتف المشرع بالاغتصاب أو التعرض لأنثى في الشارع ، ولكن شمل فكرة الترويع والإرهاب ومعاقبة فكرة التلويح بالسلاح أو التعرض أو الإرهاب باستخدام حيوان ، وهذه الأمور لم تشملها القوانين من قبل .
على سبيل المثال على مستوي عقوبة الاغتصاب كانت العقوبة فى القانون المصري تصل إلى الإعدام إذا اقترنت بالخطف باستخدام القوة ، والقانون الجديد لم يقرنها بأي فعلة أخري سواء بالخطف أو غيرها ، أما فيما يتعلق بأشكال التعرض لأنثى فكانت محدودة جداً فى القانون المصري ، ولكنها شملت الآن التعرض عن طريق التليفون والوسائل التكنولوجية المختلفة التي كانت بقانون مكافحة الاتصالات ، وهذه العقوبات كانت موجودة من ذي قبل ، ولكن في أماكن متفرقة من القانون.
وتوضح أبو القمصان أن القانون الجديد قام بتجميع كل الجرائم مع بعضها ، وهذا الأمر في حد ذاته شئ مهم جداً للقائمين على تنفيذ القانون ، لأنه ليس من المنطقي أن اطلب من ضابط الشرطة الذي يحرر المحضر إلى وكيل النيابة وصولا إلى القاضي أن يبحث في ترسانة ضخمة من القوانين ليبحث عن التصنيف المناسب للقضية ، الأمر الذي كان يسبب حيرة كبيرة ويصعب تصنيفها قانونياً.
ويذكر أن المرسوم الجديد شمل كآفة أشكال التعرض ، بما فيها الأشكال المستحدثة على المجتمع المصري بما في ذلك استخدام القوة بشكل يثير الفزع وعدم الطمأنينة في الشارع المصري ، كما تناول القانون التحرش بالأطفال الذكور بأي طريقة ، بعد أن كانت تصنف قضية اغتصاب الطفل الذكر بشكل كامل في قانون العقوبات المصري بأنه هتك عرض ، ولكن صنف المرسوم الجديد الجريمة بحسب العمر وشدد العقوبة.
سرعة التنفيذ
ولفتت أبو القمصان الانتباه إلى أن لو قرأ أي شخص القانون الجديد بشكل غير متأني من الممكن ألا يشعر بأنه لا يختلف كثيراً عن ذي قبل ، لكن المتمعن فيه جيداً يجد أن جمع العقوبات الخاصة بالتحرش مع التشديد علي فكرة التلويح بالتعرض أو الإرهاب نقطة جيدة كنا نفتقدها ، ولكن هذا لا يعني أن القانون كامل ولكنه ينقصه بعض الأشياء لأنه خرج بشكل سريع جداً.
وتشير أبو القمصان إلى أن المطالبة بقانون لتجريم التحرش الجنسي بدأ في مصر منذ خمس سنوات تقريباً ، وبعد الثورة يتم إعادة هيكلته من جديد ، مضيفة إلى أن علم الجريمة والعقاب ، لا يربط بين استتباب الأمن والعقوبة ، بمعنى أنه قد توجد عقوبة مشددة جداً قد تصل للإعدام لكنها غير رادعة ، وهذا ما حدث قبل ذلك في بعض قضايا الاغتصاب مع وجود عقوبة رادعة ولكنها غير مشددة ، وما نريده الآن ونطالب به هو تنفيذ فوري وبمنتهي الصرامة ، ليكون القانون أكثر فاعلية وتأثيراً.
ولا شك أن المرأة لديها عامل كبير فى إنجاح هذا القانون بالإبلاغ عن مثل هذه الجرائم ، لأن جرائم التحرش أو الاغتصاب يحيط بها ضغوط نفسية واجتماعية ضخمة تتعرض لها الضحية تجعلها لا تقدم على الإبلاغ ، وبحسب أبو القمصان فهناك مشكلة وهي عدم وجود تفاعل مع النظام القانوني في مصر ، مضيفة : قام المركز بعمل دراسة عن التحرش الجنسي في مصر عام 2007 ، 2008 ووجدنا أن النسبة التي لجأت للشرطة للإبلاغ عن حوادث التحرش الجنسي كانت 2% فقط وهذا يعني أن98 % من المبحوثات فى الدراسة تعرضوا ولم يبلغن الشرطة بسبب عدة عوامل أهمها الضغوط الاجتماعية التى توجه اللوم للمجني عليها بحجة ملابسها أو غيرها بالرغم من أننا أمام جريمة يقوم بها شخص مجرم بصرف النظر عن ملابس الضحية أو سلوكها ، ولكن مازالت العقلية المصرية تمارس هذا النوع من اللوم على المجني عليها .
لا للتسامح
وفي دراسة بعنوان "غيوم في سماء مصر" تم عرض 6 أشكال من الملابس بداية من الملابس المتحررة جداً وصولاً إلى المنقبة ، ووجه سؤال للنساء والرجال وهو " في رأيك مع من يحدث التحرش في هذه النماذج ؟" و 73% من النساء أكدن أن اللآتي يتعرضن للتحرش هن المحجبات ، وجاءت نفس النتيجة أيضاً مع الشباب ، بحكم أن معظم النساء المصريات في جميع المحافظات.
وأكدت المحامية نهاد أبو القمصان أن دائماً التصور الأولي الذي ينطبع بالدماغ هو لوم الضحية ، لذلك تشعر المرأة بالخوف من الذهاب للتبليغ خوفاً من غياب التعاطف معها ، ولكنها تعتقد أن هذا الأمر بدأ يتغير وأخذ في التراجع خاصة بعد خروج المرأة المصرية للمشاركة فى الثورة مع تكثيف حملات التوعية وتشديد العقوبة وتوجه رسالة بعدم التسامح مع التحرش بأي شكل من الأشكال.