ما أن وقعت هجمات إيلات في 18 أغسطس ، إلا وفوجيء المصريون بتصريحات إسرائيلية مستفزة جدا تفضح أبعاد المخطط الصهيوني ضد سيناء بل وتؤكد أيضا حجم التحالف الوثيق الذي كان يربط نظام مبارك بتل أبيب .
وكانت مصادر إسرائيلية كشف عن مقتل ستة أو سبعة أشخاص على الأقل وإصابة عشرات آخرين في سلسلة هجمات متزامنة وقعت في مدينة إيلات .
وفيما تباينت التقارير حول مقتل اثنين أو سبعة من المهاجمين ، تحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان له عن هجمات استعملت فيها أسلحة ثقيلة وبنادق ومتفجرات استهدفت حافلة لنقل المسافرين ودورية عسكرية وسيارة خاصة .
وتابع البيان " الهجمات التي وقعت على الطريق السريع 12 بدأت عندما أطلق مسلحون النار على حافلة كانت في طريقها من بئر سبع إلى إيلات في جنوب إسرائيل قرب الحدود مع مصر ثم أطلقوا صاروخا مضادا للدبابات على عربة أخرى وانفجرت عبوة ناسفة في دورية عسكرية في الوقت نفسه".
ومن جانبه ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان له :"هذا حادث خطير أضر بإسرائيليين وبالسيادة الإسرائيلية ، سترد تل أبيب وفقا لذلك" .
وسرعان ما فوجيء الجميع بتصريحات "وقحة " ضد مصر ، حيث اتهم مسئولون إسرائيليون حركة حماس بالمسئولية ووجهوا أيضا أصابع الاتهام إلى مصر بزعم "سيطرتها الضعيفة على سيناء" .
بل وتحدث مسئول إسرائيلي عن مسلحين تسللوا من غزة إلى مصر ثم من مصر إلى إيلات لتنفيذ الهجمات ، كما ربطت وسائل إعلام إسرائيلية مباشرة بين ما حدث وبين خلع مبارك ، وجاء في "هآرتس" تعليق بقلم ثلاثة كتاب إسرائيليين عنوانه "سقط مبارك فتعاظم الإرهاب في سيناء".
تصريحات باراك
وكانت المفاجأة أن وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك خرج هو الآخر على الملأ بمزاعم مستفزة مشابهة كشف خلالها أيضا الأهمية التي كان يشكلها نظام مبارك لحماية أمن إسرائيل .
وقال باراك :" مصدر الهجمات التي تعرضت لها أهداف في جنوب إسرائيل هو قطاع غزة وإن تصاعد نشاط المسلحين في سيناء سببه سقوط حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك ".
وتابع "مصدر هذه الهجمات هو قطاع غزة وسوف نعمل ضدها بكل قوة وشدة ، الحديث يدور عن هجوم إرهابي خطير في عدة مواقع ويعكس تراجع السيطرة المصرية في سيناء واتساع نشاط الجهات الإرهابية هناك".
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن سائق الحافلة التي تعرضت لإحدى الهجمات زعمه أنه شاهد جنودا مصريين يفتحون النار ، وهو أمر رد عليه الجيش الإسرائيلي بالقول إنه لا علم له بأي دور للجيش المصري في الهجمات.
نفي مصري
ومن جانبها ، نفت مصر رسميا أن يكون المسلحون الذين نفذوا هجمات إيلات قدموا من أراضيها لأن حدودها "محروسة جيدا" ، ونقلت "أسوشيتدبرس " عن محافظ جنوب سيناء خالد فودة نفيه أن تكون النيران أطلقت من أراض مصرية ، كما نقلت الوكالة عن مسئول أمني مصري رفيع لم يكشف هويته نفيه عبور مسلحين من داخل الأراضي المصرية إلى إسرائيل ، قائلا :"هناك حراسة شديدة على الحدود".
وفي السياق ذاته ، نفى اللواء السيد عبد الوهاب مبروك محافظ شمال سيناء المزاعم الإسرائيلية بشأن قيام عناصر فلسطينية من قطاع غزة بالتسلل إلى مصرعبر الحدود ومنها إلى إسرائيل لتنفيذ الهجمات المسلحة التي وقعت في إيلات في 18 أغسطس .
ونقل التليفزيون المصري عن محافظ شمال سيناء القول في تصريحات له إن هناك سيطرة كاملة من جانب قوات حرس الحدود المصرى على خط الحدود بين مصر وقطاع غزة ، مؤكدا أن التواجد الأمنى لقوات حرس الحدود بالمنطقة لم يتأثر بعد الثورة .
وأضاف المحافظ - والذى كان قائدا لسلاح الحدود حتى توليه منصب محافظ شمال سيناء - أن الطريق من رفح شمالا حتى طابا جنوبا على الحدود مع إسرائيل طويل جدا وأن هناك إجراءات أمنية مشددة على طول هذا الطريق تمنع وصول أي مشتبه فيه إلى المنطقة ثم التسلل إلى إسرائيل.
وأشار إلى أن هناك عددا كبيرا من الحواجز الأمنية التى تنتشر على طول الطرق الطولية والعرضية بين شمال وجنوب سيناء وخاصة منذ بدء العمليات الأمنية ضد العناصر التى نفذت الهجوم على قسم شرطة ثان العريش ، مما يجعل من الصعب تسلل أى عناصر غير مصرية للمنطقة.
وأكد مبروك أيضا أن هناك عمليات تدقيق تتم على هويات جميع العابرين على هذه الطرق ، كما يتم فحص السيارات المارة بشكل دقيق وأنه يتم إلقاء القبض على كل من يحاولون التسلل بدليل إحباط أجهزة الأمن لعدد من عمليات تهريب المهاجرين والمخدرات على الحدود بين مصر وإسرائيل ، مما يؤكد السيطرة الأمنية المصرية على المنطقة.
تفسيرات متباينة
وبجانب ما ذكره مبروك ، فإن هناك من أكد أن إسرائيل وجدت في هجمات إيلات فرصة سانحة لإنقاذ نتنياهو من ورطة الاحتجاجات الاجتماعية المتفاقمة والتي تهدد بانهيار حكومته ، بالإضافة إلى تصدير فشله الأمني الذريع إلى قطاع غزة ومحاولة الضغط على مصر الثورة لاستئناف الإجراءات القاسية التي كان يتخذها نظام مبارك ضد القطاع الفلسطيني المحاصر .
بل ولم يستبعد البعض أيضا أن تكون تلك الهجمات مدبرة إسرائيليا لخلط الأوراق في هذا التوقيت تحديدا لإحباط محاولة الفلسطينيين الحصول على اعتراف بدولتهم في سبتمبر المقبل والترويج مجددا لمخطط الوطن البديل في الأردن أو سيناء للخروج من مأزق التأييد المتواصل في دول العالم لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 .
ويبدو أن الاعتقاد السابق يستند إلى تحليلات كثيرة تحدثت عن احتمال اختراق إسرائيل لمنفذي الهجمات المسلحة الأخيرة في سيناء على أقسام ودوريات شرطة وتفجير خط لنقل الغاز أكثر من مرة بهدف إظهار ضعف السيادة المصرية هناك في محاولة لإيجاد المبرر لتنفيذ عدوان جديد على غزة .
وحتى في حال عدم صحة الاعتقاد السابق ، فإن التصعيد الإسرائيلي قبل وبعد هجمات إيلات يرجح أن حكومة نتنياهو تخطط لأمر خطير للخروج من مأزقها الحالي .
فمعروف أن جيش الاحتلال نفذ بالفعل سلسلة غارات قبل عدة أيام على غزة أوقعت إصابات ، وبعد هجمات إيلات ، سارع لشن غارات على منزل في حي "الشعوث" بمدينة رفح جنوب القطاع استشهد بداخله ستة من قيادات ألوية الناصر صلاح الدين من بينها أمينها العام كمال النيرب " أبو عوض " وقائدها العسكري عماد حماد وقائد وحدة التصنيع خالد حمد شعث إضافة إلى عماد نصر و خالد المصري و مالك خالد شعث.
وفيما نفى القيادي في حركة حماس صلاح البردويل اتهامات باراك بمسئولية الحركة عن هجمات إيلات ، إلا أنه حذر من إقدام إسرائيل على شن عدوان على غزة ، مؤكدا أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وأنها سترد بقوة في إطار استراتيجية عدم نقل الصراع إلى الدول العربية المجاورة وحق المقاومة في ممارسة الكفاح ضد الاحتلال.
وبالإضافة إلى شن الغارات حي "الشعوث" ، فقد صرح مصدر عسكرى مصري بأن ضابطا من القوات المسلحة وجنديين من الأمن المركزى استشهدوا مساء الخميس الموافق 18 أغسطس بنيران طائرة إسرائيلية على الشريط الحدودى بطابا .
وقال المصدر إنه أثناء قيام الطائرة الإسرائيلية بتعقب متسللين داخل الشريط الحدودي على الجانب الآخر ومطاردتهم حتى وصلوا إلى الشريط الحدودى عند رفح أطلقت أعيرة نارية عليهم في وجود عدد من جنود الأمن المركزي المصري وطالتهم النيران .
ورغم أن إسرائيل تزعم في مثل تلك الحالات أن الأمر وقع بطريق الخطأ ، إلا أن هناك من لم يستبعد أنه متعمد بهدف الضغط على مصر الثورة لتضييق الخناق على غزة .
وبصفة عامة وإلى حين اتضاح كافة أبعاد المخطط الصهيوني ضد غزة وسيناء في الأيام المقبلة ، فإن مصر الثورة وجهت مبكرا صفعة قوية لتل أبيب عندما سارعت لنفي ما أذاعه التليفزيون الإسرائيلى حول قيامها بإغلاق معبر رفح عقب هجمات إيلات ، مؤكدة استمرار العمل بالمعبر طوال الأسبوع فيما عدا الجمعة من كل أسبوع والعطلات الرسمية.