إسرائيل وكشف المستور حول فضيحة "جولدستون" 670608
جولدستون يفقد مصداقيته


فيما اعتبر فضيحة أخلاقية وسياسية لن يغفرها التاريخ ، فاجأ القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد جولدستون الجميع في مطلع إبريل بالتراجع عما ورد في التقرير الذي أعدته بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر 2008 .

ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد كشف الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 2 إبريل أبعاد الفضيحة على الملأ ، مؤكدا أن الجالية اليهودية بجنوب إفريقيا كان لها أكبر الأثر في تراجع جولدستون.

ويبدو أن توقيت التراجع كان مقصودا في حد ذاته ، فمعروف أن إسرائيل طالما ضغطت في السابق لإجهاض التقرير إلا أن جهودها لم تسفر عن نتيجة أمام بشاعة الجرائم التي ارتكبتها ضد الأطفال والمدنيين في غزة ، بل إنها كانت قاب قوسين أو أدنى من الملاحقة القضائية الدولية وخاصة بعد إحالة ملف الجرائم التي ارتكبها نظام القذافي ضد المدنيين الليبيين إلى المحكمة الجنائية الدولية .

وجاء قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 15 مارس الماضي بمتابعة التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق الدولية برئاسة جولدستون وصدر في سبتمبر/أيلول 2009 واتهم إسرائيل صراحة بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة ليضاعف من قلق تل أبيب أكثر وأكثر ، خاصة وأن حليفتها واشنطن ستواجه حرجا بالغا في حال قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة التقرير لمجلس الأمن الدولي .

صحيح أن واشنطن ستستخدم على الأرجح حق النقض "الفيتو" ضد إحالته للمحكمة الجنائية الدولية ، إلا أن هذا التصرف سيجلب لها انتقادات دولية واسعة بالنظر إلى أن جرائم إسرائيل موثقة بالصوت والصورة في وثيقة رسمية دولية بينما تمت إحالة جرائم القذافي للجنائية الدولية استباقا لأية تحقيقات في هذا الصدد .

ويبدو أنه لا بديل عن التحرك فلسطينيا وعربيا وإسلاميا على الفور لنقل التقرير للجمعية العامة للأمم المتحدة التي يتوقع أن تعتمده بأغلبية كاسحة ، وبعد استخدام الفيتو الأمريكي المتوقع ضده في مجلس الأمن ، فإنه يجب ممارسة الضغوط على المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس أوكامبو لفتح تحقيق حول التقرير استنادا لإحدى مواد وثيقة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي تتيح له التحرك بصفته الاعتبارية في حال تأكد من ارتكاب جرائم حرب .

وحتى في حال لم يتحرك أوكامبو ، فإنه يجب التوجه بالتقرير بعد اعتماده في الجمعية العامة للمحاكم الأوروبية المختصة بالنظر في ارتكاب جرائم حرب خارج الحدود .

ورغم أن إسرائيل ستسعى بكل قوة لإجهاض المحاولات السابقة ، إلا أن ما يبعث على التفاؤل هو أن تصريحات ريتشارد جولدستون رئيس لجنة التحقيق الأممية بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لصحيفة "واشنطن بوست " والتي اعتبرت محاولة لإيجاد المبررات لنزع تهمة ارتكاب جرائم الحرب عن تل أبيب هي موقف شخصي بينما لجنة التحقيق الأممية تمثل الإرادة الدولية ويجب أن يصدر عنها موقف رسمي لا يقبل اللبس ، وبمعنى آخر ، فإن المواقف الشخصية الصادرة عن أي عضو في لجنة التحقيق ليست لها أهمية تذكر .

ومع أن البعض يجادل بأن رأي جولدستون كان يشكل في السابق دعما معنويا كبيرا للتقرير بالنظر إلى أنه "يهودي الديانة " ، إلا أن الحقيقة التي لاجدال فيها أن التحقيقات التي انتهى إليها كانت موثقة وأصبحت وثيقة قانونية رسمية ولا يستطيع أي شخص تغييرها .


وحتى في حال نجحت إسرائيل في الضغط على كافة أعضاء لجنة التحقيق الدولية للتراجع مثل جولدستون ، فإن المحكمة الجنائية الدولية ستكون حينئذ هي الجهة الوحيدة المنوط بها حسم مدى صحة تقرير جولدستون من عدمه ، وبالتالي سيمثل أمامها مجرمي الحرب الإسرائيليين قبل أن تحسم الجدل في هذا الصدد .

وبصفة عامة ، فإن إسرائيل وإن كانت تعتقد أنها حققت نصرا سياسيا وإعلاميا عبر التشكيك في مصداقية التقرير ، إلا أنها لن تستطيع أن تلغيه.

ويبدو أن جولدستون هو الخاسر الأكبر في هذا الصدد ، حيث أساء للعدالة وفقد كثيرا من الاحترام الذي حظي به في السابق باعتباره قاضيا نزيها .

وكان جولدستون زعم في مقال له نشره بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في مطلع إبريل أن نتائج تقريره حول الحرب الإسرائيلية على غزة العدوان في اواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 ستكون مغايرة لو تعاونت تل أبيب مع اللجنة ، قائلا :" إنه يجب إعادة النظر في تقرير بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت أثناء العدوان".

ولم يكتف بما سبق ، بل إنه أكد أنه لو كان يعرف وقتها ما يعرفه الآن لكان التقرير الذي حمل اسمه وثيقة مختلفة ، وعلى الفور ، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الأمم المتحدة إلغاء التقرير ، قائلا في بيان له :" كل ما قلناه ثبت صحته، فإسرائيل لم تتعمد إيذاء المدنيين، وأجهزة التحقيق التابعة لها تتمتع بالكفاءة، وبما أن جولدستون قد تراجع عن أقواله فإن ذلك يستوجب إهمال التقرير".